اسم الکتاب : مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المؤلف : نووي الجاوي، محمد بن عمر الجزء : 1 صفحة : 567
الشاكرين حَمِيدٌ (8) أي مستحق للحمد في ذاته، وإن لم يحمده أحد بل كل ذرة من ذرات العالم ناطقة بحمده أَلَمْ يَأْتِكُمْ يا بني إسرائيل نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ أي من بعد هؤلاء المذكورين لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ أي لا يعلم عددهم إلا الله لكثرتهم وهذه الجملة حال من الذين أو من الضمير المستكن في من بعدهم جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أي بالدلائل الواضحة على صدقهم وهذه الجملة تفسير لنبأ الذين من قبلكم فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ أي وعض الكفار أيديهم من الغيظ من شدة نفرتهم عن استماع كلام الرسل أو وضعوا أيديهم على أفواههم مشيرين إلى الرسل أي كفوا عن هذا الكلام واسكتوا وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ على ادعائكم فإنهم ما أقروا بأن أوامر الرسل ومنهياتهم من الله تعالى وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ عظيم مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ من الإيمان بالله والتوحيد.
وقرئ «تدعونا» بإدغام النون مُرِيبٍ (9) أي ذي قلق النفس قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ أي أفي وجود الله ووحدته شك وهو أظهر من كل ظاهر فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي مبدعهما وما فيهما يَدْعُوكُمْ إلى التوحيد بإرساله إيانا لِيَغْفِرَ لَكُمْ بسببه مِنْ ذُنُوبِكُمْ في الجاهلية وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أي يؤخر موتكم إلى وقت معين عند الله إن آمنتم وإلا عاجلكم الله بالاستئصال قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا من غير فضل تُرِيدُونَ بالدعوة أَنْ تَصُدُّونا أي تصرفونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا أي عن عبادة ما استمر آباؤنا على عبادته فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) أي وإن كنتم رسلا من الله فأتونا بحجة ظاهرة تدل على صحة ما تدعونه من النبوة حتى نترك ما لم نزل نعبده قالوا ذلك عنادا فإن الرسل قد أتوهم بالآيات الظاهرة
قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ مجاراة معهم في أول مقالتهم إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ كما تقولون وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ بالنبوة فإنها عطية من الله من غير سبب وَما كانَ لَنا أي ما استقام لنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ أي بحجة إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بإرادته وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) ومقصود الرسل بهذا القول حمل أنفسهم على التوكل فإن الكفار أخذوا في التخويف حتى قالوا للرسل: توكلوا أنتم على الله حتى تروا ما يفعل بكم فقالت الرسل:
وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا أي أيّ عذر لنا في ترك التوكل على الله والحال أنه قد هدانا طرقه التي نعرفه بها ونعلم أن الأمور كلها بيده وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا بالعناد واقتراح الآيات وغير ذلك فإن الصبر مفتاح الفرج ومطلع الخيرات وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) أمر الرسل في هذا أتباعهم بالتوكل بعد أمر أنفسهم به وذلك يدل على أن الآمر بالخير لا يؤثر إلا بعد الإتيان به فالإنسان إما أن يكون ناقصا أو كاملا، فالناقص إما أن يكون ناقصا غير ساع في تنقيص حال غيره فهو ضال، وإما أن يكون ساعيا في ذلك فهو مضل، وإما خاليا عن الوصفين فهو مهتد. والكامل إما أن يكون غير قادر على تكميل الغير فهو ولي، وإما قادرا على
اسم الکتاب : مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المؤلف : نووي الجاوي، محمد بن عمر الجزء : 1 صفحة : 567